فصل: كيفية وضع الكتب فوق بعضها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


كِتَاب

التعريف

1 - الكتاب في اللّغة مصدر كتب، يقال‏:‏ كتب الشيء يكتبه كتباً وكتاباً وكتابةً، ويطلق على عدة معان منها‏:‏

أ - أنّه اسم لما كتب مجموعاً، قاله الأزهريّ‏.‏

ب - يطلق على ما يكتبه الشخص ويرسله إلى غيره‏.‏

ج - يطلق على المكتوب وعلى ما كتب فيه‏.‏

د - يطلق على المنزل من عند الله تعالى، فيشمل القرآن والتوراة والإنجيل‏.‏

هـ - يطلق على الصّحف المجموعة‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ الكتاب هو الذي يشتمل على المسائل سواء كانت قليلةً أو كثيرةً من فنّ أو فنون‏.‏

وعند الأصوليّين الكتاب هو القرآن الكريم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ‏}‏، والفقهاء يستعملون هذا المعنى فيقولون في الاستدلال‏:‏ ودليله الكتاب والسّنّة، والكتاب عند الحنفية يطلق على مختصر الإمام القدوريّ‏.‏

والكتاب الحكميّ عند الفقهاء ما يكتب فيه شهادة الشّهود على غائب بلا حكم ليحكم المكتوب إليه من القضاة به ويسمى كتاب القاضي إلى القاضي‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السّجلّ‏:‏

2 - من معاني السّجلّ لغةً‏:‏ كتاب العهد ونحوه، وكتاب القاضي، والجمع سجلات، وأسجلت للرجل إسجالاً‏:‏ كتبت له كتاباً، وسجل القاضي‏:‏ قضى وحكم وأثبت حكمه في السّجلّ‏.‏

وفي الاصطلاح يطلق السّجلّ على كتاب القاضي الذي فيه حكمه، قال الحصكفيّ‏:‏ هذا في عرفهم وفي عرفنا‏:‏ كتاب كبير تضبط فيه وقائع الناس‏.‏

وعلى ذلك فالسّجلّ أخصّ من الكتاب ‏;‏ لأنّه يطلق على كتاب مخصوص‏.‏

ب - الدفتر‏:‏

3 - الدفتر لغةً‏:‏ جريدة الحساب، والدفتر جماعة الصّحف المضمومة، والدفتر واحد الدفاتر وهي الكراريس، وهو عربيّ، قال ابن دريد‏:‏ ولا يعرف له اشتقاق‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏ والصّلة بين الدفتر والكتاب عموم وخصوص مطلق والدفتر أعمّ من الكتاب، والفرق بينهما أنّ الكتاب يفيد أنّه مكتوب، ولا يفيد الدفتر ذلك، تقول‏:‏ عندي دفتر بياض ولا تقول‏:‏ عندي كتاب بياض‏.‏

ج - الرّسالة‏:‏

4 - في اللّغة‏:‏ رِسالة - بكسر الراء - اسم من الرَسَالة - بفتح الراء - يقال رِسَل رَسَلاً ورَسَالةً من باب تعب‏.‏ يقال أرسلت رسولاً‏:‏ بعثته برسالة يؤدّيها‏.‏

والفقهاء يستعملونها تارةً بمعنى الرسول، وتارةً بمعنى الكتاب‏.‏

وعلى هذا فبين الكتاب والرّسالة عموم وخصوص نسبيّ‏.‏

ما يتعلق بالكتاب من أحكام

تتعلق بالكتاب أحكام تختلف باختلاف استعمالاته كما يلي‏:‏

أولاً‏:‏ الكتاب بمعنى الرّسالة

أي إرسال كتاب إلى الغير بشأن أمر من الأمور أو طلب شيء، ويأتي ذلك في مواضع متعدّدة من أبواب الفقه منها‏:‏

كتاب القاضي إلى القاضي

5 - ذهب الفقهاء إلى جواز كتابة القاضي إلى القاضي بما ثبت لديه من البينات وغيرها، واختلفوا في الشّروط واللّزوم‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏قضاء ف / 49، 52، 53‏)‏‏.‏

كتاب الزوج لزوجته بالطلاق

6 - إذا كتب الزوج إلى زوجته كتاباً بطلاقها، فإن كتب إليها‏:‏ يا فلانة أنت طالق، أو كتب‏:‏ هي طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل، وهذا باتّفاق، لكن قال المالكية والشافعية إذا كتب لزوجته ناوياً الطلاق حين الكتابة وقع الطلاق ‏;‏ لأنّ الكتابة طريق في إفهام المراد كالعبارة وقد اقترنت بالنّية، فإن لم ينو لم تطلق ‏;‏ لأنّ الكتابة تحتمل الفسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها، وأضاف الشافعية أنّه إذا قرأ ما كتبه حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكياً ما كتبته بلا نية طلاق صدّق بيمينه‏.‏

وقال ابن رشد من المالكية‏:‏ إن كتب مستشيراً أو متردّداً وأخرج الكتاب عازماً على الطلاق أو لا نية له وقع الطلاق لحمله على أنّه نوى الطلاق، وإن كتب الطلاق غير عازم عليه، بل كتبه متردّداً أو مستشيراً ولم يخرجه، أو أخرجه متردّداً فلا يقع الطلاق إلا إذا وصل الكتاب إلى الزوجة، وإن لم يصل لا يقع الطلاق‏.‏

وإن كان الطلاق معلقاً فقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والشافعية والحنابلة - إلى أنّ الزوج لو علق الطلاق على شرط الوصول إليها، بأن كتب‏:‏ إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق، لا يقع الطلاق حتى يصل إليها الكتاب ‏;‏ لأنّه علق الوقوع بشرط الوصول فلا يقع قبله كما لو علقه بشرط آخر‏.‏

والحكم كذلك عند المالكية إذا كانت أداة الشرط ‏"‏ إن ‏"‏ ‏;‏ لأنّ ‏"‏ إن ‏"‏ صريحة في الشرط فلا تطلق إلا عند وصول الكتاب إليها، أما إذا كانت أداة الشرط ‏"‏ إذا ‏"‏ فقد اختلف المالكية في وقت وقوع الطلاق، فذهب الدردير والدّسوقيّ والخرشيّ إلى وقوع الطلاق في الحال مثل قوله لها في كتابه‏:‏ أنت طالق وهذا بناء على أنّ أداة الشرط ‏(‏إذا‏)‏ لمجرد الظرفية فينجز الطلاق كمن أجل الطلاق بمستقبل‏.‏

ونقل الدّسوقيّ عن مصطفى الرماصيّ أنّه إذا كتب‏:‏ إذا وصل لك كتابي ففي توقّفه على الوصول خلاف، وقوى القول بتوقّفه على الوصول، لتضمّن ‏"‏ إذا ‏"‏ معنى الشرط‏.‏

واعتبر الشيخ عليش في منح الجليل أنّ عدم التنجيز وتوقّف وقوع الطلاق على وصول الكتاب ظاهر مشهور‏.‏

مَحْو ما في كتاب الطلاق

7 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّه إن انمحى ما في كتاب الطلاق المعلق على الوصول أو انطمس ما فيه لعرَق أو غيره بحيث لا يمكن قراءة ما فيه لم يقع الطلاق وإن وصل الكتاب ‏;‏ لأنّ الشرط وصول الكتاب ولم يوجد ‏;‏ لأنّ الكتاب عبارة عما فيه الكتابة‏.‏ وإن ذهب موضع الطلاق فقط وانمحق ووصل باقيه لم يقع الطلاق ‏;‏ لأنّه لم يبلغها جميع الكتاب ولا ما هو المقصود الأصليّ منه، وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ إن محا ذكر الطلاق منه وأنفذ الكتاب وقد بقي منه كلام يسمى كتاباً ورسالةً وقع الطلاق لوجود الشرط وهو وصول الكتاب إليها‏.‏

وإن انمحى ما في الكتاب سوى ما فيه ذكر الطلاق، أو تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق، ومثل ذلك‏:‏ ما لو ذهبت سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت مقاصده، ووصل الكتاب فإنّها تطلق لوصول المقصود، وهذا عند الشافعية والحنابلة‏.‏ وقال بعض الحنفية‏:‏ إذا محا ما سوى كتابة الطلاق وأنفذه فوصل إليها لا يقع، بناء على أنّ الرّسالة المتضمنة لمجرد الطلاق لا تكون كتاباً، ذكر ذلك الكمال بن الهمام في فتح القدير ثم قال‏:‏ وفيه نظر‏.‏

8- وللمذاهب فروع مختلفة في وقوع الطلاق بالكتاب بيانها فيما يلي‏:‏

قال الحنفية‏:‏ كتب في قرطاس‏:‏ إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق، ثم نسخه في كتاب آخر، أو أمر غيره بنسخه ولم يمله عليه، فأتاها الكتابان طلقت طلقتين قضاءً، إن أقر أنّهما كتاباه أو برهنت، وفي الدّيانة تقع واحدة بأيّهما أتاها ويبطل الآخر‏.‏

ولو استكتب من آخر كتاباً بطلاقها وقرأه على الزوج، فأخذه الزوج وختمه وعنونه وبعث به إليها، فأتاها وقع إن أقر الزوج أنّه كتابه‏.‏

وكذلك الحكم لو قال للرجل ابعث به إليها، أو قال له‏:‏ اكتب نسخةً وابعث بها إليها‏.‏

وإن أنكر ولم يقر أنّه كتابه ولم تقم بينة على أنّه كتابه، لكنّه وصف الأمر على وجهه لا تطلق قضاءً ولا ديانةً‏.‏

وكذا كلّ كتاب لم يكتبه بخطّه ولم يمله بنفسه لا يقع الطلاق ما لم يقر أنّه كتابه‏.‏

ومن كانت له امرأة تدعى زينب ثم تزوج في بلدة أخرى امرأةً تدعى عائشة، فبلغ زينب فخاف منها، فكتب إليها‏:‏ كلّ امرأة لي غيرك وغير عائشة طالق، ثم محا قوله‏:‏ وغير عائشة، وبعث الكتاب إلى زينب لم تطلق عائشة، قال ابن عابدين‏:‏ وينبغي أن يشهد على كتابة ما محاه ‏;‏ لئلا يظهر الحال، فيحكم عليه القاضي بطلاق عائشة‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ لو كتب إلى امرأته بطلاقها ثم أنكر الكتاب وقامت عليه البينة أنّه كتبه بيده فرّق بينهما في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان لم ينو الطلاق فهي امرأته، ولو كتب إليها‏:‏ أما بعد‏:‏ أنت طالق إن شاء الله تعالى، إن كان موصولاً بكتابته لا تطلق، وإن كتب الطلاق ثم فتر فترةً، ثم كتب‏:‏ إن شاء الله، فإنّ الطلاق يقع ‏;‏ لأنّ المكتوب إلى الغائب كالملفوظ، كذا في الفتاوى الكبرى للخاصّيّ والخلاصة‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ لو كتب‏:‏ إذا بلغك نصف كتابي هذا، فبلغها كلّه طلقت، فإن ادعت وصول كتابه بالطلاق، فأنكر صدّق بيمينه، فإن أقامت بينةً بأنّه خطّه لم تسمع إلا برؤية الشاهد بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة‏.‏

وإن كتب‏:‏ إذا قرأت كتابي فأنت طالق وهي قارئة، فقرأته طلقت لوجود المعلق عليه‏.‏ قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ وعبارة النّوويّ تقتضي أمرين أحدهما‏:‏ اشتراط اللفظ به إذ القراءة تعطي ذلك، لكن نقل الإمام الاتّفاق على أنّها لو طالعت الكتاب وفهمت ما فيه طلقت وإن لم تتلفظ بشيء‏.‏

والشرط الثاني‏:‏ اشتراط قراءة جميع الكتاب، والظاهر الاكتفاء بقراءة المقاصد كما بحثه الأذرعيّ فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه، وإن قُرِئَ عليها الكتاب فلا تطلق في الأصحّ لعدم قراءتها مع إمكانها القراءة، ومقابل الأصحّ أنّها تطلق ‏;‏ لأنّ المقصود إطلاعها على ما في الكتاب وقد وجد، وإذا كانت لا تعرف القراءة، والزوج يعلم ذلك، فقرئ عليها طلقت ‏;‏ لأنّ القراءة في حقّ الأمّيّ محمولة على الاطّلاع على ما في الكتاب، وقد وجد بخلاف القارئة،أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنّها لا تطلق على الأقرب في الروضة وأصلها‏.‏ ولو علق بوصول الكتاب، ثم علق بوصول الطلاق، ووصل، طلقت طلقتين‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا كتب لزوجته‏:‏ إذا أتاك طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إليها‏:‏ إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصّفتين في مجيء الكتاب، فإن قال‏:‏ أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذي علقته دين، وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

وإذا كتب لزوجته أنت طالق ثم استمد ‏"‏ أي أخذ المداد من الدواة بالقلم ‏"‏ فكتب‏:‏ إذا أتاك كتابي، أو علقه بشرط أو استثناء، وكان في حال كتابته للطلاق مريداً للشرط لم يقع طلاقه في الحال ‏;‏ لأنّه لم ينو الطلاق في الحال، بل نواه في وقت آخر، وإن كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال، وإن لم ينو شيئاً وقلنا‏:‏ إنّ المُطْلَق يقع به الطلاق نظرنا، فإن كان استمداداً لحاجة أو عادة، لم يقع الطلاق قبل وجود الشرط ‏;‏ لأنّه لو قال‏:‏ أنت طالق، ثم أدركه النفس أو شيء يسكته فسكت لذلك، ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى‏.‏

وإن استمد لغير حاجة ولا عادة وقع الطلاق، كما لو سكت بعد قوله‏:‏ أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر شرطاً‏.‏

وإن قال‏:‏ إنّني كتبته مريداً للشرط فقياس قول أصحابنا أنّها لا تطلق قبل الشرط، إلا أنّه يُديّن وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على وجهين‏.‏

واشترط الحنابلة الشهادة لإثبات كتاب الطلاق، جاء في المغني‏:‏ ولا يثبت الكتاب بالطلاق إلا بشاهدين عدلين أنّ هذا كتابه، قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطّه وخاتمه بالطلاق‏:‏ لا تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول، قيل له‏:‏ فإن شهد حامل الكتاب‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا شاهدان، فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره ‏;‏ لأنّ الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت إلا بشاهدين ككتاب القاضي، وظاهر كلام أحمد أنّ الكتاب يثبت عندها بشهادتهما بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم ‏;‏ لأنّ أثره في حقّها في العدة وجواز التزويج بعد انقضائها‏.‏

وهذا معنىً يختصّ به، لا يثبت به حقّ على الغير، فاكتفي فيه بسماعها للشهادة‏.‏

ولو شهد شاهدان أنّ هذا خطّ فلان لم يقبل ‏;‏ لأنّ الخط يشبه به ويزور، ولهذا لم يقبله الحاكم، ولو اكتفي بمعرفة الخطّ لاكتفي بمعرفتها له من غير شهادة‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وذكر القاضي‏:‏ أنّه لا يصحّ شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه، ثم لا يغيب عنهما حتى يؤدّيا الشهادة‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ والصحيح أنّ هذا ليس بشرط، فإنّ كتاب القاضي لا يشترط فيه ذلك فهذا أولى، وقد يكون صاحب الكتاب لا يعرف الكتابة، وإنّما يستنيب فيها، وقد يستنيب فيها من يعرفها، بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليها وقال‏:‏ هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به‏.‏

الكتاب الذي يعتبر إيجاباً أو قبولاً في العقود

9 - جاء في الهداية وشروحها في باب البيع‏:‏ الكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال، حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرّسالة، فصورة الكتاب بأن يكتب‏:‏ أما بعد‏:‏ فقد بعت عبدي منك بكذا، فلما بلغه الكتاب وفهم ما فيه قال‏:‏ قبلت، وكان ذلك في المجلس انعقد‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏عقد ف / 13‏)‏‏.‏

ردّ جواب الكتاب

10 - روى أبو جعفر عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً‏:‏ ‏"‏ إنّي لأرى لردّ جواب الكتاب علي حقّاً كما أرى رد جواب السلام ‏"‏، قال الشيخ تقيّ الدّين‏:‏ وهو المحفوظ عن ابن عباس يعني موقوفًا، قال ابن مفلح‏:‏ ويتوجه القول به استحباباً، ويتوجه في الوجوب ما في المكافأة على الهدية وردّ جواب كلمة طيّبة ونحو ذلك‏.‏

أما إن أفضى ترك ذلك إلى سوء ظنّ وإيقاع عداوة ونحو ذلك توجه الوجوب‏.‏

ولا بد من ردّ جواب ما قصده الكاتب، وإلا كان الردّ كعدمه شرعاً وعرفاً‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ إذا ورد على إنسان كتاب التحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب ‏;‏ لأنّ الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر‏.‏

كيفية البدء في الكتاب

11 - يستحبّ ابتداء الكتاب والرّسالة ببسم الله الرحمن الرحيم، اقتداءً بالكتب السماوية التي أشرفها القرآن الكريم ‏;‏ لما قاله العلامة أبو بكر التّونسيّ من إجماع علماء كلّ ملة على أنّ الله سبحانه افتتح جميع كتبه ببسم الله الرحمن الرحيم ويشهد له خبر‏:‏ «بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كلّ كتاب»، وعملاً بخبر‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع»، أي قليل البركة أو مقطوعها‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ اتفقوا على كتب بسم الله الرحمن الرحيم في أول الكتب والرسائل وعلى ختمها ‏;‏ لأنّه أبعد من الرّيبة، وعلى هذا جرى الرسم، وبه جاء الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ أيّما كتاب لم يكن مختومًا فهو أغلف‏.‏

وبعد البسملة في الكتاب المرسل إلى الغير يكتب إلى فلان، ولا يكتب لفلان، قال ابن مفلح‏:‏ قال أبو جعفر الدارميّ أحمد بن سعيد‏:‏ كتب إليّ أبو عبد الله أحمد بن حنبل‏:‏ لأبي جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل، قال‏:‏ نكتب‏:‏ إلى أبي فلان ولا نكتب‏:‏ لأبي فلان، قال‏:‏ ليس له معنىً إذا كتب لأبي فلان، وقال المروزيّ‏:‏ كان أبو عبد الله يكتب عنوان الكتاب‏:‏ إلى أبي فلان وقال‏:‏ هو أصوب من أن يكتب لأبي فلان‏.‏

قال أبو جعفر‏:‏ فأما ابتداء الإنسان بنفسه وكتبه من فلان إلى فلان ففيه اختلاف بين العلماء في العنوان وصدر الكتاب، فأكثرهم يرى أن يبتدئ بنفسه ‏;‏ لأنّ ذلك عنده هو السّنّة، كما روى محمد بن سيرين أنّ العلاء بن الحضرميّ رضي الله عنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه قال أبو جعفر‏:‏ وعن نافع أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول لغلمانه وولده‏:‏ إذا كتبتم إلى فلان فلا تبدءوا بي وكان إذا كتب إلى الأمراء بدأ بنفسه، وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه إلا إلى والد أو والدة، وإمام يخاف عقوبته»، وقال الربيع بن أنس‏:‏ ما كان أحد أعظم حرمةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه يكتبون إليه فيبدءون بأنفسهم‏.‏

وفي القرطبيّ قال ابن سيرين‏:‏ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ أهل فارس إذا كتبوا بدءوا بعظمائهم، فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه»، قال أبو الليث في كتاب البستان‏:‏ ولو بدأ بالمكتوب إليه جاز ‏;‏ لأنّ الأمة قد اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوا في ذلك، أو نسخ ما كان من قبل‏.‏

فالأحسن في زماننا هذا أن يبدأ بالمكتوب إليه ثم بنفسه ‏;‏ لأنّ البداية بنفسه تعدّ منه استخفافاً بالمكتوب إليه إلا أن يكتب إلى غلام من غلمانه‏.‏

ثانياً‏:‏ الكتاب بمعنى الوثيقة والعهد

12 - أمر الله سبحانه وتعالى بتوثيق المعاملات التي تجري بين الناس في قوله تعالى‏:‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ‏}‏، وقد وثق النبيّ صلى الله عليه وسلم فباع وكتب ومن ذلك‏:‏ «هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبداً أو أمةً لا داء ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم من المسلم»‏.‏

وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالكتاب في الصّلح فيما بينه وبين المشركين‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏توثيق ف / 12‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الكتاب بمعنى كتب العلم

13 - يأتي الكتاب بمعنى كتب العلم سواء أكانت شرعيةً أم غير شرعية وهو المعنى الذي عبر عنه صاحب الكلّيات بقوله‏:‏ الكتاب هو الذي يشتمل على المسائل سواء كانت قليلةً أو كثيرةً من فنّ أو فنون، وكذلك ما جاء في أسنى المطالب‏.‏

ويتعلق بالكتاب بهذا المعنى أحكام متعدّدة منها‏:‏

الاستنجاء بالكتب

14 - اتفق الفقهاء على أنّه لا يجوز الاستنجاء بمحترم كالكتب التي فيها ذكر الله تعالى ككتب الحديث والفقه ‏;‏ لحرمة الحروف، ولما في ذلك من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها‏.‏

واختلفوا في الكتب غير المحترمة، ومثلوا لها بكتب السحر والفلسفة وبالتوراة والإنجيل إذا علم تبدّلهما‏.‏

فذهب المالكية إلى أنّه لا يجوز الاستنجاء بهذه الكتب لحرمة الحروف - أي لشرفها - قال إبراهيم اللقانيّ‏:‏ محلّ كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبةً بالعربيّ، وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله تعالى، وقال عليّ الأجهوريّ‏:‏ الحروف لها حرمة سواء كتبت بالعربيّ أو بغيره‏.‏

وقال الحطاب‏:‏ لا يجوز الاستجمار بالمكتوب ولو كان المكتوب باطلاً كالسّحر ‏;‏ لأنّ الحرمة للحروف، وأسماء الله تعالى إن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والإنجيل بعد تحريفهما، فيجوز إحراقها وإتلافها، ولا يجوز إهانتها ‏;‏ لأنّ الاستنجاء بهذه الكتب إهانة لمكان ما فيها من أسماء الله تعالى ‏;‏ لأنّها وإن كانت محرمةً فإنّ حرمة أسماء الله تعالى لا تبدل على وجه‏.‏

وذهب الشافعية إلى أنّ غير المحترم من الكتب ككتب الفلسفة وكذا التوراة والإنجيل إذا علم تبدّلهما وخلوّهما عن اسم معظم فإنّه يجوز الاستنجاء به‏.‏

وقال ابن عابدين من الحنفية‏:‏ نقلوا عندنا أنّ للحروف حرمةً ولو مقطعةً، وذكر بعض القراء أنّ حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلام، ومفاده الحرمة بالمكتوب مطلقاً‏.‏

مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية

15 - اختلف الفقهاء في حكم مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية‏.‏

فبالنّسبة لكتب التفسير أجاز المالكية والحنابلة أن يمسها غير المتطهّر ‏;‏ لأنّها لا تسمى مصحفاً عرفاً ‏;‏ ولأنّ المقصود من التفسير معاني القرآن لا تلاوته، قال المالكية‏:‏ وظاهره ولو كتبت فيه آيات كثيرة متوالية وقصدها بالمسّ كما قال ابن مرزوق‏.‏

وعامة الحنفية على منع مسّ لفظ القرآن الكريم، قال في السّراج عن الإيضاح‏:‏ لا يجوز مسّ موضع القرآن منها، أما ما سوى ذلك من التفسير وسائر الكتب الشرعية فالتحقيق أنّ فيها ثلاثة أقوال‏:‏ قول بالكراهة، وقول بعدمها، والثالث‏:‏ الكراهة في التفسير دون غيره‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ والقول الثالث هو الأظهر والأحوط لظهور الفرق، فإنّ القرآن في التفسير أكثر منه في غيره‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ إن كان القرآن أكثر لا يجوز المسّ وإن كان التفسير أكثر جاز مسّه‏.‏

وقال ابن عرفة من المالكية‏:‏ لا يجوز مسّ التفاسير التي فيها آيات كثيرة متوالية‏.‏

16 - واختلف الفقهاء كذلك في مسّ الكتب السماوية - غير القرآن - كالتوراة والإنجيل والزبور‏.‏

فأجاز مسّها لغير المتطهّر المالكية والشافعية والحنابلة ‏;‏ لأنّها ليست قرآناً‏.‏

قال المالكية‏:‏ يجوز مسّها ولو كانت غير مبدلة، إلا أنّ الشافعية قالوا‏:‏ إن ظنّ أنّ في التوراة ونحوها غير مبدل كره مسّه‏.‏

واختلفت أقوال الحنفية، ففي حاشية ابن عابدين‏:‏ قال الشيخ إسماعيل‏:‏ وفي المبتغى‏.‏

ولا يجوز مسّ التوراة والإنجيل والزبور‏.‏ وعلل بعض فقهاء الحنفية ذلك باشتراك سائر الكتب السماوية في وجوب التعظيم، لكنّه قال‏:‏ نعم، ينبغي أن يخص بما لم يبدل‏.‏

وفي قول آخر للحنفية أنّه يجوز المسّ، ففي الدّرّ المختار‏:‏ الظاهر جواز المسّ، قال في النّهر‏:‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏، بناء على أنّ الجملة صفة للقرآن يقتضي اختصاص المنع به‏.‏

17 - وكذلك اختلف الفقهاء في حكم مسّ غير المتطهّر كتب الفقه والحديث والأصول والرسائل التي فيها قرآن‏.‏

فأجاز المالكية والشافعية والحنابلة وبعض فقهاء الحنفية وهو الأصحّ عند أبي حنيفة لغير المتطهّر أن يمسها ويحملها ولو كان فيها آيات من القرآن، بدليل‏:‏ «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل كتاباً وفيه آية» ‏;‏ ولأنّه لا يقع على مثل ذلك اسم مصحف ولا تثبت لها حرمته‏.‏

وقال بعض فقهاء الحنفية، ومنهم أبو يوسف ومحمد‏:‏ إنّه يكره مسّ كتب الأحاديث والفقه لغير المتطهّر ‏;‏ لأنّها لا تخلو عن آيات القرآن، وقد تقدم ترجيح ابن عابدين القول بقصر الكراهة على كتب التفسير وحدها‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ يستحبّ التطهّر لحمل كتب الحديث ومسّها‏.‏

توسّد الكتب والاتّكاء عليها

18 - قال الحنفية‏:‏ يكره أن يضع المصحف تحت رأسه إلا للحفظ أي حفظه من سارق ونحوه، قال ابن عابدين‏:‏ وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك‏؟‏ أقول‏:‏ الظاهر نعم‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ يحرم توسّد القرآن وإن خاف سرقته، نعم، إن خاف على المصحف من تلف نحو حرق أو تنجّس أو كافر جاز له أن يتوسده، بل يجب عليه، ويحرم توسّد كتب علم محترم إلا لخوف من نحو سرقة، فإنّه يجوز توسّدها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يحرم توسّد المصحف والوزن به والاتّكاء عليه ‏;‏ لأنّ ذلك ابتذال له، قال في الآداب الشرعية‏:‏ واختار ابن حمدان التحريم، وقطع به في المغني والشرح، وبذلك قال ابن عبد القويّ في كتابه مجمع البحرين، لكن جاء في الآداب الشرعية‏:‏ ويكره توسّد المصحف، ذكره ابن تميم‏.‏

أما كتب العلم فقد قال الحنابلة‏:‏ إن كان فيها قرآن حرم توسّدها والوزن بها والاتّكاء عليها وإن لم يكن فيها قرآن كره ذلك، أما إن خاف عليها سرقةً فلا بأس أن يتوسدها للحاجة، قال أحمد في رواية نعيم بن ناعم وقد سأله‏:‏ أيضع الرجل الكتب تحت رأسه‏؟‏ قال‏:‏ أي كتب‏؟‏ قلت‏:‏ كتب الحديث، قال‏:‏ إذا خاف أن تسرق فلا بأس، وأما أن تتخذ وسادةً فلا‏.‏

كيفية وضع الكتب فوق بعضها

19 - ذكر الحنفية كيفية ترتيب الكتب من حيث الأولوية عند وضعها فوق بعضها‏.‏ فقالوا‏:‏ توضع كتب النحو واللّغة أولاً، ثم كتب تعبير الرّؤيا ككتب ابن سيرين وابن شاهين لأفضليته، لكونه تفسيراً لما هو جزء من ستة وأربعين جزءاً من النّبوة وهو الرّؤيا، ثم كتب الكلام، ثم كتب الفقه ‏;‏ لأنّ معظم أدلته من الكتاب والسّنّة، فيكثر فيه الآيات والأحاديث، بخلاف علم الكلام، فإنّ ذلك خاصّ بالسمعيات منه فقط، ثم كتب الأخبار والمواعظ، ثم التفسير، ثم المصحف فوق الجميع‏.‏

النظر في كتب أهل الكتاب وما يشبهها

20 - ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه لا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب، نقل ابن عابدين قول عبد الغنيّ النابلسيّ‏:‏ نهينا عن النظر في شيء من التوراة والإنجيل، سواء نقلها إلينا الكفار أو من أسلم منهم‏.‏

وسئل أحمد عن قراءة التوراة والإنجيل والزبور ونحو ذلك فغضب، وظاهره الإنكار وذكره القاضي، واحتج بأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «لما رأى في يد عمر قطعةً من التوراة غضب وقال‏:‏ ألم آت بها بيضاء نقيةً»‏.‏

وقد ذكر ابن حجر نص الحديث قال‏:‏ «نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال له رجل من الأنصار‏:‏ ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا، وإنّكم إما أن تكذّبوا بحقّ أو تصدّقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني»‏.‏

وقد أهدى رجل إلى السيّدة عائشة رضي الله تعالى عنها هديةً فقالت‏:‏ لا حاجة لي في هديته بلغني أنّه يتتبع الكتب الأول، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

ونقل ابن حجر في فتح الباري عن الشيخ بدر الدّين الزركشيّ أنّه قال‏:‏ اغتر بعض المتأخّرين، فرأى جواز مطالعة التوراة ‏;‏ لأنّ التحريف في المعنى فقط قال الزركشيّ‏:‏ وهو قول باطل، ولا خلاف أنّهم حرفوا وبدلوا، والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع، وقد «غضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر رضي الله عنه صحيفةً فيها شيء من التوراة‏.‏‏.‏» إلى آخر الحديث، ولولا أنّه معصية ما غضب النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وبعد أن ذكر ابن حجر روايات متعدّدةً للحديث بطرق مختلفة قال‏:‏ والذي يظهر أنّ كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم، ثم قال‏:‏ والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصير من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلاف الراسخ فيجوز له، ولا سيما عند الاحتياج إلى الردّ على المخالف، ويدلّ على ذلك نقل الأئمة قديماً وحديثاً من التوراة، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم، ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه، وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدلّ على التحريم، فإنّه صلى الله عليه وسلم قد يغضب من فعل المكروه، ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممن لا يليق منه ذلك، كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصّبح بالقراءة، وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الأمر الواضح مثل الذي سأل عن لقطة الإبل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع، ولا في الكتب المشتملة على الحقّ والباطل، ولا روايتها لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد‏.‏

وقال القليوبيّ‏:‏ تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة كفتوح الشام وقصص الأنبياء وحكاياتهم المنسوبة للواقديّ، وقال أيضاً‏:‏ ذكر الإمام الشعراويّ في المغني ما نصه‏:‏ ويحذّر من مطالعة مواضع من كتاب إحياء علوم الدّين للغزاليّ، ومن كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكّيّ، ومن تفسير مكّيّ، ومن كلام ابن ميسرة الحنبليّ، ومن كلام منذر بن سعيد البلّوطيّ، ومن مطالعة كتب أبي حيان، أو كتب إخوان الصفا، أو كلام إبراهيم النّجام، أو كتاب خلع النّعلين لابن قسيّ، أو كتب محمد بن حزم الظاهريّ أو كلام المفيد بن رشيديّ، أو كتب محيي الدّين بن عربيّ، أو تائية محمد بن وفا، أو نحو ذلك‏.‏

بيع الكتب

21 - نص الشافعية على جواز بيع كتب الأدب‏.‏

ونص الحنابلة غير أبي طالب على جواز بيع كتب العلم‏.‏

وكره مالك بيع كتب الفقه، قال ابن يونس من المالكية قد أجاز غير الإمام مالك بيع كتب الفقه، قال ابن عبد الحكم‏:‏ بيعت كتب ابن وهب بثلثمائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم ينكروه، وكان أبي وصيّه‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ لا يصحّ بيع كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة، بل يجب إتلافها لتحريم الاشتغال به‏.‏

وأجاز الحنفية والمالكية والشافعية بيع المصاحف وشراءها لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّه سئل عن بيع المصاحف فقال‏:‏ لا بأس يأخذون أجور أيديهم ‏;‏ ولأنّه طاهر منتفع به فهو كسائر الأموال، وقال ابن وهب‏:‏ أخبرني رجال من أهل العلم عن يحيى بن سعيد ومكحول وغير واحد من التابعين أنّهم لم يكونوا يرون ببيع المصاحف بأساً، وسئل عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ومروان بن الحكم عن بيع المصاحف والتّجارة فيها فقالا‏:‏ لا نرى أن يجعله متجراً، ولكن ما عملت بذلك فلا بأس‏.‏

وقال أبو الخطاب من الحنابلة‏:‏ يجوز بيع المصاحف مع الكراهة‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ ورخص في بيع المصاحف الحسن والحكم وعكرمة ‏;‏ لأنّ البيع يقع على الجلد والورق، وبيع ذلك مباح‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّه يحرم بيع المصحف ولو في دين، قال أحمد‏:‏ لا نعلم في بيع المصحف رخصةً ‏;‏ لأنّ تعظيمه واجب، وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه‏.‏

لكنّ الحنابلة أجازوا شراء المصحف ‏;‏ لأنّه استنقاذ له كشراء الأسير، كما أجازوا شراء كتب الزندقة لإتلافها ‏;‏ لأنّ في الكتب مالية الورق وتعود ورقاً منتفعاً به بالمعالجة‏.‏

22 - ولا يجوز بيع المصاحف وكتب العلوم الشرعية للكافر‏.‏

قال المالكية‏:‏ مُنع بيع مصحف وجزئه وكتب حديث وفقه، وعلم شرعيّ لكافر، ويشمل العلم الشرعي نحو النحو من آلات العلوم الشرعية لاشتماله على الآيات والأحاديث وأسماء الله تعالى‏.‏

وقال الدّسوقيّ‏:‏ يمنع بيع كتب العلم لهم مطلقاً وظاهره ولو كان الكافر الذي يشتري ما ذكر يعظّمه ‏;‏ لأنّ مجرد تملّكه له إهانة، ويمنع أيضاً، بيع التوراة والإنجيل لهم ‏;‏ لأنّها مبدلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم‏.‏

ويجبر الكافر على إخراج ما بيع له من ذلك من ملكه‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ لا يصحّ شراء الكافر المصحف ولا يتملكه بسلم ولا بهبة ولا وصية، ولا كتب حديث ولا آثار سلف ولا كتب فقه لما في ذلك من الإهانة لها، قال الأذرعيّ‏:‏ والمراد بآثار السلف حكايات الصالحين لما في ذلك من الإهانة والاستهزاء بهم، قال السّبكيّ‏:‏ والأحسن أن يقال‏:‏ كتب علم وإن خلت عن الآثار تعظيماً للعلم الشرعيّ، وتعليله يفيد جواز تملّكه كتب علوم غير شرعية‏.‏

وينبغي منعه من تملّك ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللّغة، قال شيخنا‏:‏ وفيما قاله نظر، أي بل الظاهر الجواز وهو كذلك‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن اشترى الكافر مصحفاً فالبيع باطل ‏;‏ لأنّه يمنع من استدامة الملك عليه، فمنع منه ابتداءً كسائر ما يحرم بيعه‏.‏

رهن الكتب

23 - رهن كتب الحديث لغير المسلم فيها عند الشافعية قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ يبطل الرهن، والقول الثاني‏:‏ يصحّ ويجبر على تركه في يد مسلم، وقال أبو عليّ الطبريّ في الإفصاح‏:‏ يصحّ الرهن قولاً واحداً ويجبر على تركه في يد مسلم‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يصحّ رهن كتب الحديث والتفسير لكافر بشرط جعلها بيد مسلم عدل لأمن المفسدة، فإن لم يشترط ذلك لم يصح‏.‏

24 - وقد اختلف الفقهاء في رهن المصحف، فأجاز رهنه الحنفية والمالكية والشافعية‏.‏ وحكى ابن قدامة من الحنابلة روايتين في رهن المصحف‏.‏

إحداهما‏:‏ لا يصحّ رهنه، وذلك ‏;‏ لأنّ المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه، ولا يحصل ذلك إلا ببيعه، وبيعه غير جائز‏.‏

والثانية‏:‏ يصحّ رهنه وعللها بقوله‏:‏ إذا رهن مصحفاً لا يقرأ فيه إلا بإذنه فظاهر هذا صحة رهنه‏.‏

رهن الكتب الموقوفة

25 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الواقف لو شرط أن لا يعار الكتاب الموقوف إلا برهن فالشرط باطل، ولا يصحّ هذا الرهن ‏;‏ لأنّ الكتب غير مضمونة في يد الموقوف عليه، ولا يقال لها عارية أيضاً، بل الآخذ لها إن كان من أهل الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، وإن أعطى يكون رهناً فاسداً ويكون في يد خازن الكتب أمانةً، هذا إن أريد الرهن الشرعيّ، وإن أريد مدلوله لغةً، وأن يكون تذكرةً فيصحّ الشرط ‏;‏ لأنّه غرض صحيح، وإذا لم يعلم مراد الواقف فالأقرب الحمل على اللّغويّ تصحيحاً لكلامه، وفي بعض الأوقات يقول الواقف‏:‏ لا تخرج إلا بتذكرة فيصحّ، ويكون المقصود أنّ تجويز الواقف الانتفاع مشروط بذلك، ولا نقول‏:‏ إنّها تبقى رهناً، بل له أخذها فيطالبه الخازن بردّ الكتاب، وعلى كلّ فلا تثبت له أحكام الرهن ولا بيعه، ولا بدل

الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرّط‏.‏

إعارة الكتب واستعارتها

26 - ذهب الفقهاء إلى جواز إعارة الكتب واستعارتها‏.‏

وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب إعارة المصحف، قال الشافعية‏:‏ وذلك لمن دخل عليه وقت الصلاة ولم يجد من يعلّمه وهو يحسن القراءة، وقال بعضهم‏:‏ الوجوب مسلم من جهة المستعير إذا وجد من يعيره، وأما على المالك فلا‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تجب إعارة المصحف لمحتاج لقراءة فيه ولم يجد غيره، وهذا إذا لم يكن مالكه محتاجاً إليه‏.‏

وفي الآداب الشرعية‏:‏ إن طلب أحد المصحف ليقرأ فيه لم يجب بذله، وقيل‏:‏ يجب، وقيل‏:‏ عند الحاجة إليه‏.‏

وأفتى أبو عبد الله الزّبيديّ بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه ليكتب نسخة السماع، وقال الزركشيّ‏:‏ والقياس أنّ العارية لا تجب عيناً، بل هي أو النقل إذا كان الناقل ثقةً‏.‏

وخرج أبو عقيل من الحنابلة وجوب إعارة الكتب للمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل الفتوى‏.‏

وقال ابن الجوزيّ‏:‏ ينبغي لمن ملك كتاباً أن لا يبخل بإعارته لمن هو أهل له‏.‏

إصلاح الخطأ في الكتاب المستعار

27 - قال الحنفية‏:‏ من استعار كتاباً فوجد به خطأً أصلحه إن علم رضا صاحبه، وإن علم أنّ صاحب الكتاب يكره إصلاحه ينبغي أن لا يصلحه، وإلا فإن أصلحه جاز، ولو لم يفعله لا إثم عليه إلا في القرآن ‏;‏ لأنّ إصلاحه واجب بخطّ مناسب‏.‏

وقال الشافعية‏:‏ لو استعار كتاباً ليقرأ فيه فوجد فيه خطأً لا يصلحه، إلا أن يكون قرآناً فيجب كما قاله العباديّ، وتقييده بالإصلاح يعلم أنّ ذلك لو كان يؤدّي إلى نقص قيمته لرداءة خطّ ونحوه امتنع ‏;‏ لأنّه إفساد لماليته لا إصلاح‏.‏

قال الجمل‏:‏ وينبغي أن يدفعه لمن يصلحه حيث كان خطّه مناسباً للمصحف، وغلب على ظنّه إجابة المدفوع إليه، ولم تلحقه مشقة في سؤاله‏.‏

أما الكتاب الموقوف فيصلح جزماً، خصوصاً ما كان خطأً محضاً لا يحتمل التأويل، وهذا إذا تحقق ذلك دون ما ظنّه، ومتى تردد في عين لفظ أو في الحكم لا يصلح شيئاً وما اعتيد من كتابة ‏(‏لعله كذا‏)‏ إنّما يجوز في ملك الكاتب‏.‏

ولا يكتب حواشي بهامش الكتاب وإن احتيج إليها، لما فيها من تغيير الكتاب من أصله، ولا نظر لزيادة القيمة بفعله‏.‏

إجارة الكتب

28 - ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم جواز إجارة الكتب، سواء أكانت كتب فقه أم أدب أم شعر أم غناء، قال ابن عابدين‏:‏ ‏;‏ لأنّ القراءة إن كانت طاعةً كالقرآن، أو كانت معصيةً كالغناء، فالإجارة عليها لا تجوز، وإن كانت مباحةً كالأدب والشّعر، فهذا مباح له قبل الإجارة فلا تجوز، ولو انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الأوراق، والإجارة عليه لا تنعقد ولو نص عليه ‏;‏ لأنّه لا فائدة فيه للمستأجر‏.‏

وعند الحنابلة يجوز إجارة الكتب، قال البهوتيّ‏:‏ يجوز استئجار كتاب حديث أو فقه أو شعر مباح أو لغة أو صرف أو نحوه لنظر أو قراءة أو نقل أو به خطّ حسن يكتب عليه ويتمثل منه ‏;‏ لأنّه لا تجوز إعارته لذلك فجازت إجارته‏.‏

29 - وأجاز المالكية وهو وجه عند الحنابلة إجارة المصحف ‏;‏ لأنّه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت فيه الإجارة كسائر الكتب‏.‏

ولا تجوز إجارته عند الحنفية وفي وجه عند الحنابلة، قال الحنفية‏:‏ ‏;‏ لأنّ القراءة فيه طاعة والإجارة على الطاعة لا تجوز‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ علة ذلك إجلال كلام الله وكتابه عن المعاوضة به وابتذاله بالأجر في الإجارة‏.‏

بيع كتب المحجور عليه للفلس

30 - ذهب الحنفية والمالكية إلى أنّ المحجور عليه لفلس يباع ماله ولو كتباً، ولو احتاج لها، ولو فقهاً ‏;‏ لأنّ شأن العلم أن يحفظ‏.‏

وفي قول عند المالكية‏:‏ إنّ الكتب لا تباع أصلاً، قال الدّسوقيّ‏:‏ واعلم أنّ الخلاف هو في الكتب الشرعية كالفقه والتفسير والحديث وآلة ذلك، أما غيرها فلا خلاف في وجوب بيعها‏.‏ وما ذهب إليه الحنفية والمالكية هو ما يستفاد من كلام الحنابلة، فقد جاء في المغني عند الكلام على بيع متاع المفلس قال‏:‏ ويستحبّ بيع كلّ شيء في سوقه‏:‏ البزّ في البزازين، والكتب في سوقها‏.‏

وذهب العباديّ وغيره من الشافعية إلى أنّه يترك للعالم كتبه، فلا تباع لسداد الدين‏.‏

وقالوا‏:‏ يشترى للمفلس ما يحتاج إليه‏.‏

وقالوا أيضاً‏:‏ يباع المصحف مطلقاً ‏;‏ لأنّه تسهل مراجعة حفظته، ومنه يؤخذ أنّه لو كان بمحلّ لا حافظ فيه ترك له‏.‏

النظر في كتاب الغير

31 - الأصل في النظر في كتاب الغير حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنّما ينظر في النار»‏.‏

قال ابن الأثير في النّهاية‏:‏ هذا محمول على الكتاب الذي فيه سرّ وأمانة يكره صاحبه أن يطلع عليه، قال‏:‏ وقيل‏:‏ هو عامّ في كلّ كتاب‏.‏

وقال المروزيّ‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث فوائد فأخذتها، ترى أن أنسخها وأسمعها‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا بإذن صاحبها‏.‏

وقال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ الأثر الوارد في النهي عن النظر في كتاب الغير يخصّ منه ما يتعين طريقًا إلى دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر‏.‏

ومما يدخل في مسألة النظر في كتاب الغير‏:‏ النظر في الكتاب المرهون، هل يجوز للمرتهن النظر فيه أم لا‏؟‏‏.‏

نقل الطحطاويّ عن الولوالجية‏:‏ أنّه لو رهن مصحفاً وأمره بالقراءة فيه، فإن قرأ فيه صار عاريةً وبطل الرهن، حتى لو هلك في تلك الحالة لم يهلك بالدين، فإن فرغ منه صار رهناً، ولو هلك يهلك بالدين‏.‏

وفي المدونة‏:‏ قلت‏:‏ أرأيت المصحف أيجوز أن يرتهن في قول مالك‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولا يقرأ فيه، قلت‏:‏ فإن لم يكن في أصل الرهن شرط أن يقرأ فيه، فتوسع له ربّ المصحف أن يقرأ فيه بعد ذلك، قال مالك‏:‏ لا يعجبني ذلك‏.‏

وفي الآداب الشرعية قال أحمد في رواية مهنا في رجل رهن مصحفاً هل يقرأ فيه‏؟‏ قال‏:‏ أكره أن ينتفع من الرهن بشيء، وقال في رواية عبد الله في الرجل يكون عنده مصحف رهن‏:‏ لا يقرأ إلا بإذنه، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم في الرجل رهن عنده المصحف يستأذنه في القراءة فيه، فإن أذن له قرأ فيه‏.‏

إتلاف الكتب

32 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ الكتب المحرمة يجوز إتلافها، قال المالكية‏:‏ كتب العلم المحرم كالتوراة والإنجيل يجوز إحراقها وإتلافها إذا كانا محرفين‏.‏

وقال الشافعية يجب إتلاف كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة لتحريم الاشتغال بها‏.‏

وصرح الحنابلة بأنّه يصحّ شراء كتب الزندقة لإتلافها ‏;‏ لأنّ في الكتب مالية الورق، وتعود ورقاً منتفعاً به بالمعالجة‏.‏

وقال الحنفية‏:‏ الكتب التي لا ينتفع بها يمحى عنها اسم الله وملائكته ورسله ويحرق الباقي، ولا بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي، أو تدفن وهو أحسن كما في الأنبياء، وكذا جميع الكتب إذا بليت وخرجت عن الانتفاع بها، قال ابن عابدين‏:‏ وفي الذخيرة‏:‏ المصحف إذا صار خلقاً وتعذرت القراءة منه لا يحرق بالنار، وإليه أشار محمد وبه نأخذ، ولا يكره دفنه، وينبغي أن يلف بخرقة طاهرة ويلحد له ‏;‏ لأنّه لو شق ودفن يحتاج إلى إهالة التّراب عليه وفي ذلك نوع تحقير، إلا إذا جعل فوقه سقف، وإن شاء غسله بالماء، أو وضعه في موضع طاهر لا تصل إليه يد محدث ولا غبار ولا قذر، تعظيماً لكلام الله عز وجل‏.‏

وقف الكتب

33 - يجوز عند المالكية والشافعية والحنابلة وقف الكتب النافعة ‏;‏ لأنّها في حكم الخيل تحبس للغزو عليها، والسّلاح للقتال به‏.‏

واختلف فقهاء الحنفية بناء على اختلافهم في وقف المنقول‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ لا يجوز وقف الكتب على أصل أبي حنيفة ‏;‏ ‏"‏ لأنّه لا يجيز وقف المنقول ‏"‏ وأما على قولهما - أي أبي يوسف ومحمد - فقد اختلف المشايخ فيه، وحكي عن نصر بن يحيى أنّه وقف كتبه على الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة‏.‏

وفي الهداية وشروحها‏:‏ كان محمد بن سلمة لا يجيزه، ونصر بن يحيى يجيزه، ووقف كتبه إلحاقاً لها بالمصاحف، وهذا صحيح ‏;‏ لأنّ كل واحد يمسك للدّين تعليماً وتعلّماً وقراءةً، والفقيه أبو جعفر يجيزه وبه نأخذ، وفي العناية عن فتاوى قاضي خان‏:‏ اختلف المشايخ في وقف الكتب، وجوزه الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى‏.‏

ونص الحنابلة والشافعية على أنّه لا يصحّ الوقف على كتب التوراة والإنجيل ‏;‏ لأنّها معصية لكونها منسوخةً مبدلةً، ولذلك غضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفةً فيها شيء من التوراة وقال‏:‏ «ألم آت بها بيضاء نقيةً‏؟‏»‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ ويلحق في ذلك كتب الخوارج والقدرية ونحوهما‏.‏

سرقة الكتب

34 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى إقامة الحدّ على من سرق كتباً نافعةً، كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة إذا بلغت قيمة المسروق نصاباً‏.‏

وأضاف الشّربينيّ الخطيب من الشافعية‏:‏ أنّه لو سرق شخص المصحف الموقوف على القراءة لم يقطع إذا كان قارئًا ‏;‏ لأنّ له فيه حقّاً، وكذا إن كان غير قارئ ‏;‏ لأنّه ربما تعلم منه، قال الزركشيّ‏:‏ أو يدفعه إلى من يقرأ فيه لاستماع الحاضرين‏.‏

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه لا يقام الحدّ على من يسرق المصحف، وقال الحنفية ولا على من يسرق كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة ‏;‏ لأنّ آخذها يتأول في أخذه القراءة والتعلّم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏سرقة ف / 28 - 31‏)‏‏.‏

كِتابة

انظر‏:‏ توثيق، مكاتبة‏.‏

  كِتابِيّ

انظر‏:‏ أهل الكتاب‏.‏

كِتابِيّة

انظر‏:‏ أهل الكتاب‏.‏

كَتِف

التعريف

1 - الكَتِف والكِتْف في اللّغة‏:‏ عظم عريض خلف المنكب، ويؤنّث وهي تكون للإنسان، وغيره، وفي الحديث‏:‏ «ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً»، كانوا يكتبون فيها لقلة القراطيس عندهم‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ما يتعلق بالكتف من أحكام

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجري القصاص في قطع اليد من مفصل الكتف بشرط أن يؤمن من حدوث جائفة في الجسم، فإن خيف جائفة فللمجنيّ عليه أن يقتص من مرفقه، وهو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ‏;‏ لأنّه أخذ ما أمكن من حقّه، وله أن يأخذ العوض‏.‏ ولا يجب في كسرها قصاص كسائر العظام، وليس فيها أرش مقدر، وإنّما تجب في كسرها حكومة، ‏(‏ر‏:‏ حكومة عدل ف / 7، وجناية على ما دون النفس ف / 31‏)‏‏.‏

وقد ذكر الفقهاء أحكاماً أخرى تتعلق بالكتف منها‏:‏ السدل في الصلاة، وهو عند الحنابلة أن يطرح المصلّي ثوباً على كتفه ولا يردّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى، وهو مكروه عندهم‏.‏

ونص الحنابلة على وجوب أن يضع المصلّي على أحد كتفيه شيئاً من اللّباس إن كان قادراً على ذلك ويشترط ذلك لصحة الصلاة في ظاهر المذهب‏.‏

‏(‏ر‏:‏ صلاة ف / 85‏)‏‏.‏

ومنها الاضطباع في الطواف وهو أن يدخل المحرم رداءه الذي يلبسه تحت منكبه الأيمن فيلقيه على عاتقه الأيسر وتبقى كتفه اليمنى مكشوفةً، وهو مستحبّ عند جمهور الفقهاء في طواف القدوم ‏(‏ر‏:‏ اضطباع ف 1 - 4‏)‏‏.‏

كِتْمان

انظر‏:‏ إفشاء السّرّ‏.‏

كُحْل

انظر‏:‏ اكتحال‏.‏

كَدِك

التعريف

1 - لم يرد ذكر كلمة الكدك أو الجدك في كتب اللّغة المشهورة‏.‏

وعند الفقهاء يطلق الكدك على ما يثبت في الحانوت على وجه القرار مما لا ينقل ولا يحول، كالبناء والرّفوف المركبة والأغلاق ونحو ذلك، وهذا ما يسمّيه الفقهاء سكنى‏.‏

كما يطلق على ما يوضع في الحانوت متصلاً لا على وجه القرار، كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلاً، فإنّ الاتّصال وجد لكن لا على وجه القرار‏.‏

ويطلق أيضاً على العين غير المتصلة أصلاً، كالبكارج والفناجين بالنّسبة للقهوة، والفوط بالنّسبة للحمام‏.‏

ويطلق على مجرد المنفعة المقابلة للدراهم، وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بالخلوّ‏.‏

وللتفصيل في أحكام الكدك بهذا المعنى ينظر ‏(‏خلوّ‏)‏‏.‏

قال محمد قدري باشا‏:‏ يطلق الكدك على الأعيان المملوكة للمستأجر المتصلة بالحانوت على وجه القرار، كالبناء، أو لا على وجه القرار، كآلات الصّناعة المركبة به، ويطلق أيضاً على الكردار في الأراضي، كالبناء والغراس فيها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الكردار‏:‏

2 - الكردار هو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء أو غرأساً أو كبساً بالتّراب بإذن الواقف أو بإذن الناظر‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ ومن الكردار ما يسمى الآن كدكا في حوانيت الوقف ونحوها، من رفوف مركبة في الحانوت، وأغلاق على وجه القرار، ومنه ما يسمى قيمةً في البساتين وفي الحمامات، فالكردار أعمّ من الكدك‏.‏

ب - المرصد‏:‏

3 - المرصد هو أن يستأجر رجل عقار الوقف من دار أو حانوت مثلاً ويأذن له المتولّي بعمارته أو مرمته بها، فيعمّره المستأجر من ماله على قصد الرّجوع بذلك في مال الوقف عند حصوله، أو اقتطاعه من الأجرة‏.‏

والمرصد بهذه الصّفة دين مستقرّ على جهة الوقف للمستأجر الذي عمر من ماله عمارةً ضروريةً في مستغلّ من مستغلات الوقف للوقف‏.‏

والفرق بين الكدك وبين المرصد، أنّ صاحب المرصد ليس له إلا دين معلوم على الوقف، فلا يجوز له أن يبيعه ولا يبيع البناء الذي بناه للوقف، وإنّما له مطالبة المتولّي بالدين الذي له إن لم يرد استقطاعه من أصل أجر المثل، وأما الكدك، فهو أموال متقومة مملوكة للمستأجر تباع وتورث، ولأصحابها حقّ القرار‏.‏

ج - المسكة‏:‏

4 - المسكة هي عبارة عن استحقاق الحراثة في أرض الغير، مأخوذة من المسكة لغةً، وهي ما يتمسك به، فكان المتسلّم للأرض المأذون له من صاحبها في الحرث صار له مسكة يتمسك بها في الحرث فيها، وحكمها أنّها لا تقوم، فلا تملك ولا تباع ولا تورث، وقد جرى في عرف الفلاحين إطلاق الفلاحة على المسكة، فيقول أحدهم‏:‏ فرغت عن فلاحتي أو مسكتي أو مشدّي، ويريد معنىً واحداً وهي استحقاق الحرث‏.‏

والمسكة بهذا المعنى تكون في الأراضي الجرداء، وقد تكون في البساتين وتسمى بالقيمة‏.‏ والصّلة بين الكدك وبين المسكة، أنّ صاحب المسكة يثبت له حقّ الاستمساك بالأرض، كما أنّ صاحب الكدك يثبت له حقّ القرار في الحانوت، فالمسكة خاصة بالأراضي أما الكدك فخاصّ بالحوانيت‏.‏

د - الخلوّ‏:‏

5 - يطلق الخلوّ على معان منها‏:‏

أنّه اسم للمنفعة التي جعل في مقابلتها الدراهم، ويطلق كذلك على حقّ مستأجر الأرض الأميرية في التمسّك بها إن كان له فيها أثر من غراس أو بناء أو كبس بالتّراب، على أن يؤدّي ما عليها من الحقوق لبيت المال، كما يطلق على البناء والغرس ونحوهما الذي يقيّمه من بيده عقار وقف أو أرض أميرية ‏(‏ر‏:‏ خلوّ ف / 1‏)‏‏.‏

والصّلة بين الخلوّ بالمعنى الأول والكدك، أنّ صاحب الخلوّ يملك جزءاً من منفعة الوقف ولا يملك الأعيان، أما الكدك فهو أعيان مملوكة لمستأجر الحانوت‏.‏

‏(‏ر‏:‏ خلوّ ف / 1‏)‏‏.‏

وأما الصّلة بالمعنيين الثاني والثالث، فهي أنّ الخلو مرادف للكدك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكدك

ثبوت حقّ القرار لصاحب الكدك

أولاً‏:‏ وضع الكدك في المباني الوقفية المؤجرة

6 - يثبت لصاحب الكدك حقّ القرار بسبب ما ينشئه في مبنى الوقف من بناء أو نحوه متصل اتّصال قرار‏.‏

قال ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية‏:‏ يثبت له ‏"‏ أي لصاحب الكدك ‏"‏ حقّ القرار ما دام يدفع أجرة مثل الحانوت خاليةً عن جدكه وقال في موضع آخر‏:‏ إذا كان هذا الجدك المسمى بالسّكنى قائماً في أرض وقف، فهو من قبيل مسألة البناء أو الغرس في الأرض المحتكرة، لصاحبه الاستبقاء بأجرة مثل الأرض حيث لا ضرر على الوقف وإن أبى الناظر، نظرا للجانبين‏.‏

وجاء في المادة ‏(‏707‏)‏ من مرشد الحيران‏:‏ الكدك المتصل بالأرض بناء أو غرأساً أو تركيباً على وجه القرار هو أموال متقومة تباع وتورث، ولأصحابها حقّ القرار، ولهم استبقاؤها بأجر المثل‏.‏

هذا هو مذهب الحنفية، وبه يقول المالكية، فقد قال الشيخ عليش‏:‏ الخلوّ من المنفعة، فلذلك يورث، وليس للناظر أن يخرجها عنه وإن كانت الإجارة مشاهرةً، ولا الإجارة لغيره‏.‏ كما قال الشيخ عليش‏:‏ الخلوّ ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر‏.‏‏.‏‏.‏ نعم بعض الجدكات بناء أو إصلاح أخشاب في الحانوت مثلاً بإذن، وهذا قياسه على الخلوّ ظاهر، خصوصاً وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف، والعرف حاصل في الجدك‏.‏

وقال الدّسوقيّ‏:‏ إذا استأجر إنسان داراً موقوفةً مدةً معينةً، وأذن له الناظر بالبناء فيها ليكون له خلوّاً، وجعل عليها حكراً كل سنة لجهة الوقف، فليس للناظر أن يؤاجرها لغير مستأجرها مدةً تلي مدة إيجار الأول، لجريان العرف بأن لا يستأجرها إلا الأول، والعرف كالشرط، فكانه اشترط عليه ذلك في صلب العقد، ومحلّه إذا دفع الأول من الأجرة ما يدفعه غيره، وإلا جاز إيجارها للغير‏.‏

ومستند هؤلاء الفقهاء في إثبات حقّ القرار لصاحب الكدك هو المصلحة، قال ابن عابدين ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها، وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت ونحوها، فإنّ إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغلالها، ففي ذلك نفع للأوقاف وبيت المال، ولكن كلّ ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بلا نقصان فاحش‏.‏

وقال البنانيّ‏:‏ وقعت الفتوى من شيوخ فاس من المتأخّرين، كالشيخ القصار، وابن عاشر، وأبي زيد الفاسيّ، وسيّدي عبد القادر الفاسيّ، وأضرابهم، ويعبّرون عن الخلوّ المذكور بالجلسة جرى بها العرف، لما رأوه من المصلحة فيها، فهي عندهم كراء على التبقية‏.‏

7- ويشترط لثبوت حقّ القرار لصاحب الكدك عند هؤلاء الفقهاء ما يلي‏:‏

أ - إذن الناظر للمستأجر في وضع كدكه أو كرداره، فإن وضعه دون إذن فلا عبرة به، ولا يجب تجديد الإجارة له‏.‏

قال الخير الرمليّ‏:‏ صرح علماؤنا بأنّ لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء، أو غرأساً، أو كبساً بالتّراب، بإذن الواقف، أو بإذن الناظر، فتبقى في يده‏.‏

قال الحصكفيّ نقلاً عن مؤيد زاده‏:‏ حانوت وقف بنى فيه ساكنه بلا إذن متولّيه، إن لم يضر رفعه رفعه، وإن ضر فهو المضيّع ماله، فليتربص إلى أن يتخلص ماله من البناء ثم يأخذه، ولا يكون بناؤه مانعًا من صحة الإجارة لغيره، إذ لا يد له على ذلك البناء، حيث لا يملك رفعه‏.‏

ب - دفع أجرة المثل منعًا للضرر عن الوقف، إذ لا يصحّ إيجار الوقف بأقل من أجرة المثل إلا عن ضرورة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ يثبت له بذلك ‏"‏ الكدك ‏"‏ حقّ القرار ما دام يدفع أجرة مثل الحانوت خاليةً عن كدكه‏.‏

وقال في موضع آخر عند الكلام عن الفرق بين التصرّف في المملوك والتصرّف في الموقوف‏:‏ أما الموقوف المعدّ للإيجار، فإنّه ليس للناظر إلا أن يؤجّره، فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره من أجنبيّ ‏;‏ لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد، والمراد بأجرة المثل أن ينظر بكم يستأجر إذا كان خالياً عن ذلك الجدك بلا زيادة ضرر ولا زيادة رغبة من شخص خاصّ، بل العبرة بالأجرة التي يرضاها الأكثر‏.‏

فلو زاد أجر المثل بعد العقد زيادةً فاحشةً، فالأصحّ عند الحنفية أنّه يجب تجديد العقد بالأجرة الزائدة، وقبول المستأجر الزّيادة يكفي عن تجديد العقد، والمراد زيادة أجر مثل الوقف في نفسه عند الكلّ بلا زيادة أحد، وليس المراد زيادة تعنّت أي إضرار من واحد أو اثنين، فإنّها غير مقبولة، ولا الزّيادة بعمارة المستأجر بماله لنفسه‏.‏

ج - عدم الضرر، قال ابن عابدين نقلاً عن القنية‏:‏ استأجر أرضاً وقفًا وغرس فيها وبنى ثم مضت مدة الإجارة، فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر‏.‏

وقال ابن عابدين نقلاً عن الخير الرمليّ‏:‏ لو حصل ضرر ما، بأن كان هو أو وارثه مفلساً أو سيّئ المعاملة أو متغلّباً يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر، لا يجبر الموقوف عليهم‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ وأضاف‏:‏ ويؤيّده ما في الإسعاف وغيره، من أنّه لو تبين أنّ المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة ويخرجه من يده‏.‏

وقال العلامة قنالي زاده‏:‏ يجب على كلّ قاض عادل عالم، وعلى كلّ قيّم أمين غير ظالم، أن ينظر في الأوقاف، فإن كان بحيث لو رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر، أن يفسخ الإجارة، ويرفع بناءه وغرسه، أو يقبلها بهذه الأجرة، وقلما يضرّ الرفع بالأرض‏.‏

وفي أوقاف الخصاف‏:‏ حانوت أصله وقف، وعمارته لرجل، وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل، قالوا‏:‏ إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلّف رفعه، ويؤجر من غيره، وإلا يترك في يده بذلك الأجر‏.‏

ثانياً‏:‏ وضع الكدك في الأملاك الخاصة

8 - يرى الحنفية أنّه إذا كان الكدك المسمى بالسّكنى قائماً في أرض وقف، فلصاحبه استبقاؤه بأجر المثل، أما إذا كان الكدك في الحانوت الملك، فلصاحب الحانوت أن يكلّف المستأجر برفع الكدك لأنّ الإجارة تنتهي بمضيّ المدة، ولا يبقى لها أثر إجماعاً‏.‏

والفرق - كما قال ابن عابدين - أنّ الملك قد يمتنع صاحبه عن إيجاره ويريد أن يسكنه بنفسه، أو يبيعه أو يعطّله، بخلاف الموقوف المعدّ للإيجار، فإنّه ليس للناظر إلا أن يؤجّره، فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره من أجنبيّ، لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد‏.‏

قال خير الدّين الرمليّ‏:‏ إذا استأجر أرضاً ملكاً ليس للمستأجر أن يستبقيها كذلك إن أبى المالك إلا القلع، بل يكلّفه على ذلك، إلا إذا كانت قيمة الأغراس أكثر من قيمة الأرض فإذن لا يكلّفه عليه بل يضمن المستأجر قيمة الأرض للمالك، فتكون الأغراس والأرض للغارس، وفي العكس يضمن المالك للغارس قيمة الأغراس فتكون الأرض والأشجار له، وكذا الحكم في العارية‏.‏

قال الأتاسيّ بعد نقل هذا القول‏:‏ الظاهر أنّ هذا إذا كان المستأجر بنى أو غرس بإذن المالك‏;‏ لأنّه يكون غير متعدّ بالبناء والغرس‏.‏‏.‏‏.‏ وأما إذا كان البناء أو الغرس بدون إذن مالك الأرض، فليس إلا القلع أو تخيير المالك بين تكليفه به أو تملّكه بقيمته مستحق القلع، إن كان القلع يضرّ بالأرض ‏;‏ لأنّه متعدّ بالبناء والغرس‏.‏

أما وضع الكدك المتصل اتّصال قرار قصداً بتعاقد بين المستأجر وصاحب الحانوت، فإنّه يثبت حق القرار للمستأجر عند بعض متأخّري الحنفية، فلا يملك صاحب الحانوت إخراج المستأجر منه ولا إجارته لغيره‏.‏

وكذلك الحكم عند المالكية فقد قال عليش‏:‏ إنّ الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر، فإن قال قائل‏:‏ الخلوّ إنّما هو في الوقف لمصلحة وهذا يكون في الملك، قيل له‏:‏ إذا صح في وقف فالملك أولى لأنّ المالك يفعل في ملكه ما يشاء، نعم بعض الجدكات بناء أو إصلاح أخشاب في الحانوت مثلاً بإذن وهذا قياسه على الخلوّ ظاهر، خصوصاً وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف، والعرف حاصل في الجدك، وبعض الجدكات أمور مستقلة في المكان غير مستمرة فيه، كما يقع في الحمامات وحوانيت القهوة بمصر، فهذه بعيدة الخلوات، فالظاهر أنّ للمالك إخراجها‏.‏

ولم يستدل على نص للشافعية والحنابلة بخصوص إقامة المستأجر الجدك في الحانوت الملك، ويفهم مما ذكروه في استئجار الأرض للبناء أو الغراس، أنّ البناء والغراس ملك للمستأجر، والأرض ملك لصاحبها‏.‏

قال ابن رجب‏:‏ غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه المالك فللمؤجّر تملّكه بالقيمة لأنّه لا يملك قلعه بدون ضمان نقصه، وفيه ضرر عليه‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ استأجر للبناء أو الغراس، فإن شرط القلع صح العقد ولزم المستأجر القلع بعد المدة، وليس على المالك أرش النّقصان، ولا على المستأجر تسوية الأرض، ولا أرش نقصها، لتراضيهما بالقلع، ولو شرطا الإبقاء بعد المدة، فوجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ العقد فاسد لجهالة المدة، وهذا أصحّ عند الإمام والبغويّ، والثاني‏:‏ يصحّ ‏;‏ لأنّ الإطلاق يقتضي الإبقاء، فلا يضرّ شرطه، وبهذا قطع العراقيّون أو جمهورهم، ويتأيد به كلام السرخسيّ في مسألة الزرع، فإن قلنا بالفساد، لزم المستأجر أجرة المثل للمدة‏.‏‏.‏‏.‏ أما إذا أطلقا، فالمذهب صحة العقد، وقيل‏:‏ وجهان، وليس بشيء، ثم ينظر بعد المدة، فإن أمكن القلع والرفع بلا نقص فعل، وإلا، فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك ‏;‏ لأنّه ملكه‏.‏‏.‏‏.‏ وإن لم يختر القلع، فهل للمؤجّر أن يقلعه مجاناً‏؟‏ فيه طريقان‏:‏ أحدهما القطع بالمنع، والثاني على وجهين أصحّهما هذا ‏;‏ لأنّه بناء محترم، والثاني‏:‏ نعم‏.‏‏.‏‏.‏، وإذا انتهى الأمر إلى القلع، فمباشرة القلع، أو بدل مئونته هل هي على المؤجّر لأنّه الذي اختاره، أم على المستأجر لأنّه شغل الأرض فليفرغها‏؟‏ وجهان‏:‏ أصحّهما الثاني‏.‏

وقف الكدك

9 - صرح الحنفية بعدم جواز وقف الكدك، قال ابن عابدين‏:‏ ما يسمى الآن كدكًا في حوانيت الوقف ونحوها، من رفوف مركبة في الحانوت، وأغلاق على وجه القرار، فالظاهر أنّه لا يصحّ وقفه، لعدم العرف الشائع، بخلاف وقف البناء والشجر، فإنّه مما شاع وذاع في عامة البقاع‏.‏

ويؤخذ من عبارات المالكية صحة وقف الكدك الذي يقيمه المستأجر في الحانوت‏.‏

قال الغرقاويّ المالكيّ‏:‏ إنّ الذي عليه العمل ما أفتى به شهاب الدّين أحمد السنهوريّ من صحة وقف الخلوّ وجرى به العمل كثيراً في الدّيار المصرية‏.‏

وصرح عليش بأنّ الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر‏.‏

ولم نجد نصاً للشافعية والحنابلة بخصوص وقف الكدك، إلا أنّهم يجيزون وقف الغراس والبناء، وهذا ليس محل خلاف بين الفقهاء‏.‏

بيع الكدك

10 - إذا ثبت للمستأجر حقّ القرار في حانوت الوقف، فالكدك الذي يضعه فيه يكون ملكاً له على وجه القرار، ويكون لهذا المستأجر بيع ما وضعه، وينتقل حقّ القرار للمشتري فقد قال المهديّ العباسيّ‏:‏ فإن أحدث شيئاً من ذلك بعد إذن الناظر على هذا الوجه، فحينئذ لا حاجة إلى تكلّف الإسقاط في أثناء مدة إجارته أو بعدها، ولا إلى استئجار الأجنبيّ من الناظر، بل يكون للمستأجر المذكور بيع ما أحدثه من الأجنبيّ، فينتقل حقّ القرار للمشتري، ويكون على المشتري المذكور أجر مثل الأرض خاليةً عما أحدث فيها‏.‏

وجاء في مرشد الحيران‏:‏ الكدك المتصل بالأرض بناء وغرأساً أو تركيباً على وجه القرار هو أموال متقومة، تباع وتورث، ولأصحابها حقّ القرار، ولهم استبقاؤها بأجر المثل‏.‏ هذا عند الحنفية والمالكية أيضاً إذ إنّ المالكية يقيسون الجدك المتصل اتّصال قرار على الخلوّ، قال عليش‏:‏ بعض الجدكات بناء أو إصلاح أخشاب في الحانوت مثلاً بإذن وهذا قياسه على الخلوّ ظاهر‏.‏

والخلوّ يصير كالملك يجري عليه البيع والإجارة والهبة والرهن ووفاء الدين والإرث‏.‏

الشّفعة في الكدك

11 - لا تثبت الشّفعة عند الحنفية والشافعية في بيع البناء بدون الأرض إلا أنّه ذكر السيّد محمد أبو السّعود الحنفيّ في حاشيته على الأشباه‏:‏ لو كان الخلوّ بناء أو غرأساً بالأرض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حقّ الشّفعة ‏;‏ لأنّه لما اتصل بالأرض اتّصال قرار التحق بالعقار، وتعقبه ابن عابدين بقوله‏:‏ ما ذكره ‏"‏ السيّد محمد أبو السّعود ‏"‏ من جريان الشّفعة فيه سهو ظاهر، لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب‏.‏

وعند المالكية يكون لمن اشترك في البناء في أرض الوقف المحتكرة الأخذ بالشّفعة، قال العدويّ عند بيان صور الخلوّ‏:‏ أن تكون أرض محبسة فيستأجرها من الناظر ويبني فيها داراً مثلاً على أنّ عليه في كلّ شهر لجهة الوقف ثلاثين نصفاً فضةً، ولكنّ الدار تكرى بستّين نصف فضة مثلاً، فالمنفعة التي تقابل الثلاثين الأخرى يقال لها خلوّ، وإذا اشترك في البناء المذكور جماعة وأراد بعضهم بيع حصته في الباء، فلشركائه الأخذ بالشّفعة‏.‏